اسفي ، الخميس 3 اكتوبر 2024, الساعة السادسة و النصف.
في قلب المدينة القديمة بأسفي، يتواجد ضريح لالة مو علي بدرب القوس فرع من زنقة باب الشعبة، الذي يحمل رمزية خاصة لدى سكان المدينة، خاصة الأمهات اللواتي كنّ يقصدنه في سنوات ما قبل السبعينات. هذا الضريح لم يكن مكانًا للتبرك فقط، بل كان مركزًا لممارسة تقاليد طبية شعبية توارثتها الأجيال. واحدة من تلك الممارسات كانت تشريط الأطفال بموس عدة شرطات بهدف إخراج الدم الخبيث، وهي عادة ارتبطت بمعتقدات قديمة حول علاج الأمراض ودرء الأرواح الشريرة.
إلى أي مدى كانت الممارسات التقليدية في ضريح لالة مو علي تعبّر عن معتقدات دينية أو شعبية؟ وهل كانت هذه الممارسات مفيدة صحيًا أم أنها مجرد طقوس قديمة غير مستندة إلى العلم؟ وكيف تؤثر مثل هذه الممارسات على المجتمع وهل ما زالت موجودة حتى اليوم؟
كانت الأمهات في أسفي قبل السبعينات يذهبن إلى ضريح لالة مو علي برفقة أطفالهن، يحملن همًّا مشتركًا وهو حماية الأطفال من الأمراض والمشاكل الصحية التي كانت تُنسب إلى أسباب غيبية. إحدى العادات المعروفة هي عملية “التشريط”، وهي إجراء يتضمن استخدام موس لعمل عدة جروح على جسم الطفل لإخراج ما يُعتقد أنه “الدم الخبيث”. العملية كانت تتم بإشراف امرأة يُقال عنها إنها تحمل “البركة”، وكانت لها مكانة خاصة لدى أهالي المدينة. هذه المرأة كانت مسؤولة عن الضريح وعن أداء هذه الطقوس التي كانت تعتبر علاجية وفق المعتقدات الشعبية.
رغم أن هذه الممارسات كانت تحظى بشعبية كبيرة بين الأمهات، إلا أنها تحمل في طياتها الكثير من الأسئلة حول تأثيرها على صحة الأطفال. فالأدوات المستخدمة لم تكن معقمة، والمفهوم الطبي الذي تستند إليه هذه الطقوس قد يفتقر إلى الأسس العلمية. ومع ذلك، كان لهذه الممارسات بعد اجتماعي مهم؛ إذ كانت تُعبر عن الترابط بين الدين، العلاج الشعبي، والمعتقدات الموروثة، وكانت بمثابة ملاذ أخير للعائلات في ظل غياب الرعاية الطبية المتطورة آنذاك.
اليوم، قد تكون آثار تلك الممارسات لا تزال موجودة على أجساد من خضعوا لها، لكن النظرة إليها قد تغيرت بشكل كبير. فالوعي الطبي والعلمي الحديث قد ألغى الحاجة لمثل هذه الطقوس التي كانت تعتمد على الخوف من المجهول والإيمان بقدرات الضريح والمرأة المباركة.
يشكل ضريح لالة مو علي بأسفي جزءًا من التراث الشعبي والمعتقدات التقليدية التي عاشها سكان المدينة قديمًا. ورغم أن الممارسات المرتبطة به قد تلاشت مع مرور الزمن وتطور العلم، فإنها تظل جزءًا من ذاكرة الجماعة. هذه الممارسات، وإن كانت قد خدمت المجتمع في فترة من الفترات، تثير اليوم العديد من التساؤلات حول مدى تأثير المعتقدات الشعبية على الصحة العامة، وتدفعنا للتفكير في كيفية مزج التراث مع العلم لتحسين حياة الأفراد والمجتمع.
تعليقات
0