Advertisement
Advertisement

التعايش الديني وحوار الحضارات في ظل حوادث العنف التي يشهدها العالم

المصطفى شقرون الثلاثاء 29 أبريل 2025 - 09:32

المقدمة

يعيش عالمنا اليوم مرحلة دقيقة تتسم بتصاعد مظاهر العنف والكراهية، في وقت باتت فيه الحاجة ماسّة إلى تعزيز قيم التعايش الديني وحوار الحضارات أكثر من أي وقت مضى. فالتعدد الديني والثقافي، بدل أن يكون مصدر ثراء إنساني، صار في بعض الأحيان ذريعة لصراعات دموية، تغذيها نزعات التعصب وسوء الفهم. من هنا تنبع أهمية إعادة التأكيد على مبادئ التفاهم والاحترام المتبادل بين الأديان والحضارات، باعتبارها السبيل الأمثل لضمان مستقبل يسوده السلام والأمن المشترك.

كيف يمكن تحقيق التعايش الديني وحوار الحضارات وسط عالم تتزايد فيه أعمال العنف باسم الدين أو الثقافة؟ وما هي السبل الكفيلة بتحويل هذا التعدد إلى مصدر وحدة وقوة بدل أن يكون سببًا للتفرقة والصراع؟

لقد أظهرت الحوادث الإرهابية والصراعات الطائفية أن الجهل بالآخر، وسوء استخدام الدين لأغراض سياسية أو أيديولوجية، يؤديان إلى زرع بذور الفتنة بين الشعوب. إن جوهر الأديان السماوية يدعو إلى المحبة والسلام، ولا يحضّ بأي شكل من الأشكال على العنف أو الإقصاء. يقول الله تعالى في القرآن الكريم:

“يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” (سورة الحجرات، الآية 13).

وفي الإنجيل نجد:

“طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يُدعون” (إنجيل متى 5:9).

وفي تعاليم البوذية نجد أن:

“لا تؤذِ الآخرين بما تجد أنه يؤذيك أنت نفسك.”

هذه النصوص وغيرها تدل على أن الحوار والتفاهم قيم جوهرية مشتركة بين الأديان. ومع ذلك، نجد أن الكثير من الأفراد والجماعات يتخذون الدين وسيلة للتحريض، مستغلين مشاعر الخوف والجهل.
من أجل مواجهة هذا التحدي، يجب أن تتعزز الجهود التربوية لنشر ثقافة السلام وقبول الآخر، وإقامة منصات دائمة لحوار الحضارات. كما ينبغي على قادة الرأي، من رجال دين ومفكرين وسياسيين، أن يتحدوا في إدانة العنف باسم الدين، وأن يعملوا على تقديم نماذج حقيقية للتعايش المشترك.
وقد قال المفكر الكبير محمد إقبال:

“الأديان نهر واحد، اختلفت مصابّه والبحر واحد.”

كما أكد المفكر الفرنسي إرنست رينان على أهمية الحوار بقوله:

“كل حضارة لا تؤمن بالتعايش مصيرها الفناء.”

لذلك فإن صون التنوع الديني والثقافي لا يتحقق بالحياد السلبي، بل عبر مبادرات نشطة تعزز من حضور الآخر، وتصنع من الاختلاف جسورًا للعبور نحو الإنسانية المشتركة.

إن التعايش الديني وحوار الحضارات ليسا ترفًا فكريًا بل ضرورة وجودية للبشرية في عالم مضطرب. فالحضارات العظيمة لم تزدهر إلا حين فتحت أبوابها للحوار والتثاقف. وإن العالم، أمام التهديدات المتزايدة للعنف والكراهية، مدعو إلى وقفة تأملية تعيد ترتيب أولوياته على أساس من الاحترام المتبادل والاعتراف بالآخر. وحده الحوار الصادق والتفاهم العميق يمكن أن ينقذ الإنسان من الانزلاق إلى مستنقعات الفتنة والدمار.

Advertisement

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

30 أبريل 2025 - 10:59

أنماط التفكير بين الخرافة والدين والعلم والفلسفة: جدلية العقل والاعتقاد

30 أبريل 2025 - 9:55

الإنسانية بين الثبات والتحول: الملك محمد السادس نموذجًا لعطاء لا محدود

29 أبريل 2025 - 19:44

جلالة الملك يهنئ السيد عبد الإله ابن كيران بمناسبة إعادة انتخابه أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية

29 أبريل 2025 - 19:42

الأمم المتحدة.. السيد هلال يوجه رسالة لمجلس الأمن تدحض ادعاءات الجزائر بشأن الصحراء المغربية