دور القضاء في معالجة اشكالية التوفيق بين الحماية القانونية لحرية التعبير و منع الشطط و التعسف في استعماله .
للقضاء دور اساسي،فالقضاء هو السلطة المخولة قانونا بمراقبة حرية التعبير و الكشف عن الحد الفاصل بينهما،و بين ما يعتبر مساسا بحقوق الغير او التحريض على الكراهية و الإرهاب. و من بين الامثلة و القضايا التي طرحت على القضاء المغربي فيما يتعلق بمعالجة قضايا حرية التعبير في تنازعها مع خطاب التحريض على الكراهية و القتل،نورد القضية موضوع قرار محكمة النقض – المسمى المجلس الاعلى سابقا-تحت عدد 3/128 المؤرخ في 21/01/2015 في الملف عدد 2014/3/6/6476 ( راجع حرية الصحافة الحق و المسؤولية ،دراسة تحليلية بين النص القانوني و العمل القضائي ،صص90 و 91,محمدحمو) و تتلخص وقائعها كالتالي:
نزل حقوقي مغربي ضيفا على برنامج تلفزيوني حول حقوق المرأة و حريتها ، و كانت مداخلاته جريئة الى درجة أنه رد عل المذيعة بانه لا يمانع في أن تمارس ابنته او والدته حريتها الجنسية وفق قناعتهما. رجل دين- و هو المتهم في هذه القضية- و امام جمع من الناس داخل منزله و هو يلقي درسا او موعظة اكد،بان الذي لا غيرة فهو ذيوت. و أضاف بان الحديث النبوي الشريف يقول:” اقتلوا من لا غيرة له”, ثم نطق باسم الحقوقي المذكور و كأنه يوجه اليه الكلام، و قال:”انك يا فلان لن تقنعني” وتم نشر هذا الحديث على أحد المواقع الإلكترونية. و تقدم الحقوقي بشكاية في الموضوع برجل الدين معتبرا كلامه تحريضا على قتله. مع الإشارة الى ان حيثيات هذه القضية تتجلى في الصراع القائم بين رجال الدين و بين الحداثيين. فالمشتكى به رجل دين يمثل تيارا دينيا معروفا بالمغرب و الحقوقي صحافي في جريدة مغربية و معروف بكتاباته الجريئة.
و السؤال المطروح على المحكمة من خلال هذه القضية ،هل كلام رجل الدين من قبيل خطاب الكراهية ام انه مجرد حديث عابر و يدخل في إطار حرية التعبير المضمونة دستوريا و قانونيا ؟
بعد أن اطلع القضاء على محتوى و مضمون خطاب رجل الدين المتهم و سياق حديثه و القصد من كلامه و نيته،قضى ببراءته،اذ لم يثبت للمحكمة من كلامه ما يفيد انه حرض تحريضا مباشرا على قتل الحقوقي المشتكي. و اعتبرت المحكمة أن كلامه مجرد حديث او درس ديني أمام جمع من الناس دون نية التحريض على القتل،و ان المشتكي لم يتضرر من هذا الحديث.
فالقضاء هنا،بعد تقييم وقائع القضية و استعمال سلطته في تقدير كل الوقائع ،ثبت له ان رجل الدين المتهم لم يتجاوز حقه في حرية التعبير ،و لم يصل بخطابه الى حد يجيز وصفه بانه خطاب تحريضي على القتل و الكراهية.و قد قضت محكمة النقض برفض طلب النقض الذي تقدم به الحقوقي المذكور.
تعليقات
0