المصطفى شقرون
شهد المجتمع المغربي خلال العقود الأخيرة تحولات سوسيولوجية عميقة مست جوانب متعددة من الحياة اليومية، من أبرزها البنية الأسرية. فقد تحولت الأسرة الممتدة التقليدية إلى أسر نووية، وانخفضت سلطة الآباء، وتزايدت حالات الطلاق، وتبدلت أدوار الأفراد داخل الأسرة. هذا التغيير لم يكن معزولًا عن تأثيرات العولمة، ووسائل التواصل الاجتماعي، والهجرة، والتحديث التعليمي والاقتصادي.
إلى أي حد ساهمت التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في تفكك الأسرة المغربية؟ وما هي الانعكاسات السوسيولوجية لهذا التفكك على الفرد والمجتمع؟ وهل تستطيع المؤسسات الاجتماعية التقليدية كالمسجد والمدرسة والمجتمع المدني لعب دور تعويضي أم أن بنيتها هي الأخرى أصبحت مهزوزة؟
تعد الأسرة الخلية الأساسية في البناء الاجتماعي، ومن خلالها تتشكل القيم والهوية والانتماء. إلا أن الأسرة المغربية اليوم تعيش حالة من الهشاشة الوظيفية نتيجة مجموعة من العوامل، منها:
1. التحول في أدوار الجنسين:
ارتفعت نسبة النساء العاملات وتغيرت نظرة المجتمع لأدوارهن، مما أعاد تشكيل التوازن التقليدي داخل الأسرة، وطرح تحديات جديدة حول تقاسم السلطة والمسؤوليات.
2. الطلاق كظاهرة متنامية:
ارتفعت معدلات الطلاق بشكل غير مسبوق، وصار الانفصال الأسري لا يهم فقط الكبار بل يمس الأطفال الذين يصبحون ضحايا لصراعات الكبار.
3. هجرة الشباب وانفصالهم عن الجذور الأسرية:
سواء كانت هجرة داخلية أو خارجية، فهي تسهم في تفكك الأسرة الممتدة وغياب التضامن التقليدي الذي كان يميز البنية الاجتماعية المغربية.
4. وسائل التواصل الاجتماعي:
أسهمت في خلق فجوة تواصلية بين أفراد الأسرة، حيث بات كل فرد يعيش في “عالم افتراضي” خاص به، يستهلك فيه قيمًا غير متجانسة مع القيم المجتمعية.
5. ضعف المؤسسات التربوية والدينية:
المؤسسات التي كانت سابقًا تسهم في ضبط القيم، كالمسجد والمدرسة، تراجعت أدوارها التربوية والاجتماعية، مما زاد من تعميق الهوة القيمية.
إن تفكك الأسرة المغربية قد يكون مجرد معطى إحصائي أو حالة عابرة، و قد يكون أيضا مؤشر على تحولات سوسيولوجية عميقة تستدعي الوقوف عندها بجدية. ويتطلب الأمر تفكيرًا استراتيجيًا من طرف الدولة والمجتمع المدني لإعادة الاعتبار للأسرة كمرتكز أساسي للتماسك الاجتماعي، عبر مراجعة السياسات الاجتماعية، ودعم التكوين الأسري، وتعزيز القيم التضامنية داخل المجتمع المغربي. فبقاء الأسرة قوية يعني بقاء المجتمع المغربي متماسكًا، قادرًا على مواجهة رياح التغيير دون أن يفقد هويته.
تعليقات
0