المصطفى شقرون،صحفي مهني مدير نشر صحيفة الحكمة بريس
في زمن تتسارع فيه المتغيرات الإقليمية والدولية، وتزداد فيه تطلعات الشعوب نحو الديمقراطية الحقيقية والتنمية الشاملة، يبقى المشهد السياسي المغربي في كثير من تجلياته رهين ممارسات قديمة تتعارض مع منطق العقل والمصلحة الوطنية. إن تزكية المرشحين للاستحقاقات الانتخابية، التي يُفترض أن تكون مبنية على الكفاءة والنزاهة والقدرة على تمثيل المواطنين، أصبحت في العديد من الأحزاب السياسية المغربية مرهونة بعوامل أخرى: المال، النفوذ، الولاء الأعمى، والعلاقات الشخصية. فهل نحن أمام انحراف عن المسار الديمقراطي الحقيقي؟ وأين موقع الشباب والكفاءات العلمية في هذا المشهد الملتبس؟
لماذا تُقصى الكفاءات العلمية، خاصة الشباب حاملي الشهادات العليا في مجالات القانون العام والدستوري والاقتصاد، من التزكيات الانتخابية؟ ولماذا يُمنح الحظ الأوفر لأشخاص يفتقدون القدرة على التمثيل الحقيقي والدفاع عن قضايا الشعب والوطن؟ وهل يمكن للمغرب أن يحقق نهضة سياسية وتنموية في ظل برلمانات ومجالس محلية وجهوية يهيمن عليها المال والفراغ الفكري؟
من المؤسف أن التزكية، التي تشكل جوهر العملية الديمقراطية، فقدت معناها النبيل في العديد من الأحزاب السياسية المغربية. فقد تحولت إلى صفقة تُبرم في الظل، حيث يهيمن منطق “من يدفع أكثر” أو “من له رصيد شعبي وهمي”، بدل منطق “من يملك رؤية ومنهجية ومشروع مجتمعي”.
ويلاحظ أن الأحزاب، في أغلبها، لا تمنح الثقة لشباب خريجي الجامعات وحاملي الدكتوراه في القانون الدستوري أو الاقتصاد أو علم الاجتماع السياسي، رغم كونهم الأقدر على فهم تعقيدات الواقع المغربي، والأجدر بتحليل السياسات العمومية واقتراح البدائل. هؤلاء الشباب يتكدسون في البطالة أو الهجرة، بينما يتم تزكية أشخاص لا يملكون لا المؤهلات الفكرية ولا الوعي السياسي، سوى قدرتهم على استقطاب الأصوات عبر المال أو الولاء القبلي أو التملق السياسي.
ومن خلال هذا السلوك الحزبي، تُفرغ المؤسسات التمثيلية من مضمونها، وتتحول إلى فضاءات لتصفية الحسابات أو قضاء المصالح الخاصة، بدل أن تكون صوتًا للمواطن ومدافعًا عن قضاياه. وهذا ما يفسر ضعف الأداء البرلماني والجهوي، وغياب الرؤية في تدبير الشأن المحلي.
إن التطور السياسي الحقيقي يقتضي إعادة النظر في آليات التزكية، وربطها بميثاق للكفاءة والنزاهة والمسؤولية. فالديمقراطية ليست مجرد صناديق اقتراع، بل منظومة قيم ومؤسسات وأفراد مؤهلين. ولن يتحقق هذا التغيير إلا عبر إرادة سياسية صادقة، تُفسح المجال للشباب وللنخب الجديدة، وتقطع مع منطق الريع السياسي.
إذا أراد المغرب أن يسير في طريق التقدم، فعليه أن يعيد الاعتبار للفعل السياسي النبيل، ويمنح الفرصة للكفاءات الحقيقية، لا لمن “يشتري” التزكية أو “يستعير” الشعبية. فالأوطان لا تبنى بالشعارات، بل برجال ونساء يحملون العلم، والإخلاص، والإرادة. آن الأوان للأحزاب السياسية أن تتجدد، وتراجع آلياتها، وتفتح أبوابها للنخب الشابة التي يمكن أن تُحدث الفرق وتعيد للسياسة هيبتها ولمؤسساتها مصداقيتها.
فهل تسمعني؟
تعليقات
0