المصطفى شقرون
في زمن تتشابك فيه المصالح وتتعقد فيه العلاقات بين الدول، يصبح من البديهي أن يكون القائد السياسي متسلحًا بفهم عميق للسياسة الدولية، ومطّلعًا على آليات اشتغال القانون الدولي، ومحاطًا بمستشارين ذوي كفاءة وخبرة. لكن، للأسف، نجد في واقعنا المعاصر بعض قادة الدول الذين يفتقرون لهذه المقومات، مما يجعل قراراتهم الداخلية والخارجية كارثية على شعوبهم، ويعرض بلدانهم للعزلة والابتزاز والانهيار التدريجي.
ما الذي يحدث عندما يقود الدولة زعيم يجهل قواعد اللعب الدولي؟ من يتحمل ثمن الجهل بالسياسة الخارجية والقانون الدولي؟ وكيف يمكن أن يؤثر غياب المستشارين المحنكين في مستقبل الأوطان؟
السياسة الدولية ليست ساحة عشوائية، بل هي فضاء تحكمه قواعد دقيقة: موازنات القوى، المعاهدات، الاتفاقيات، القرارات الأممية، والقدرة على التفاوض. القائد الذي لا يفقه هذه القواعد يشبه ربان سفينة يبحر وسط العواصف دون خريطة أو بوصلة.
هؤلاء القادة يتخذون قرارات مصيرية بناء على انطباعات شخصية أو ضغوط محلية، أو حتى انفعالات، دون الرجوع إلى الخبراء أو دراسة الأبعاد القانونية والسياسية. والنتيجة؟ صدامات دبلوماسية، فقدان للمصداقية، انتهاكات للقانون الدولي، تهميش في المحافل الأممية، أو حتى فرض عقوبات على البلاد.
أما عن المستشارين، فهم العقل الثاني للقائد. عندما يُحاط الزعيم بجوقة من “نعم سيدي”، تنعدم الرؤية النقدية ويختفي التحليل العميق، ويصبح القرار انعكاسًا لمزاج القائد لا مصلحة الأمة.
تاريخ السياسة المعاصرة مليء بأمثلة لقادة جرّوا بلدانهم إلى الكوارث نتيجة تجاهلهم السياسة الدولية: حروب عبثية، انسحابات غير مدروسة من اتفاقيات دولية، تصريحات مستفزة تقطع جسور التواصل… وكل ذلك بسبب غياب الفهم والإنصات للمستشارين المحنكين.
أن تكون قائدًا لا يعني أن تعرف كل شيء، لكن أن تجهل وتصرّ على الانفراد بالقرار، فذلك هو الخطر بعينه. السيادة لا تعني العزلة، والكرامة لا تعني المواجهة الدائمة. من لا يفهم قواعد السياسة الدولية ولا القانون الدولي، ويقصي العقلاء من حوله، يعرّض وطنه للضياع. والشعوب هي من تدفع الثمن في نهاية المطاف.
تعليقات
0