Advertisement
Advertisement

التنوع الديني داخل الاسرة :نموذج للتعايش السلمي في افريقيا

المصطفى شقرون السبت 5 أبريل 2025 - 16:51

في أحد لقاءاتي اليوم مع صديق إفريقي مثقف، دار بيننا حديث عميق حول مفهوم الأسرة في إفريقيا وتعدد العقائد داخلها. حدثني بإسهاب عن تجربته الشخصية في بيت يجمع بين مسلم ومسيحية، وعن كيفية تعايشهم رغم اختلاف المعتقدات. أثار فيّ هذا الحديث تساؤلات جوهرية حول قدرة الأسرة الإفريقية على تجاوز الانقسامات العقائدية، وبناء فضاء مشترك تحكمه المحبة والاحترام لا الانتماء الديني. من هنا وُلد هذا المقال، ليس فقط لرصد الواقع، بل لقراءة أبعاده الثقافية والإنسانية.

المصطفى شقرون صحفي مهني مدير نشر صحيفة الحكمة بريس

التنوع الديني داخل الأسرة: نموذج للتعايش السلمي في إفريقيا

في قلب المجتمعات الإفريقية المتعددة الثقافات والأديان، قد نجد نماذج أسرية فريدة تعكس روح التعايش والانفتاح. من بين هذه النماذج، تبرز الأسر التي تجمع بين أفراد من ديانات مختلفة، كأن يكون الأب مسلمًا، والأم مسيحية، والأبناء منقسمين في انتماءاتهم الدينية بين الإسلام والمسيحية، أو حتى دون انتماء ديني محدد. كيف يمكن لأسرة بهذا التكوين أن تعيش في انسجام دون صراع عقائدي؟ وهل يمكن أن تشكل نموذجًا يُحتذى به في التعايش بين الأديان؟

كيف تستطيع أسرة أفريقية متعددة الديانات أن تبني حياة مشتركة يسودها التفاهم والاحترام رغم الاختلاف الديني بين أفرادها؟ وما هي القيم والمبادئ التي تحكم هذا التعايش؟ وهل تؤثر الانتماءات الدينية المختلفة على القرارات اليومية، والتربية، والمناسبات الدينية داخل الأسرة؟

في كثير من المناطق الإفريقية، خصوصًا في المجتمعات ذات التنوع الديني كنيجيريا أو الكاميرون أو السنغال، قد تتشكل أسر من أفراد ينتمون إلى ديانات مختلفة نتيجة الزواج المختلط. في النموذج الذي اعرضه هنا، استنادًا إلى الحوار السالف الذكر نجد أبًا مسلمًا، وأمًا مسيحية، وأبناءً انقسموا بين الديانتين أو اختار بعضهم عدم الانتماء الديني نهائيًا.

رغم التباين الديني، تعتمد الأسرة في تعايشها على مبادئ أساسية، أبرزها الاحترام المتبادل، وفصل الإيمان الفردي عن الحياة الأسرية الجماعية، والاحتفال بالاختلاف بدلًا من مقاومته. فالأب المسلم لا يفرض معتقداته على الجميع، بل يُظهر تقبله لاختيارات الآخرين، تمامًا كما تحترم الأم المسيحية التقاليد الإسلامية لزوجها.

في المناسبات الدينية، تتحول الأسرة إلى صورة جميلة من التعدد؛ يحتفلون بعيد الفطر كما يحتفلون بعيد الميلاد، ويشاركون في لحظات الفرح والعبادة احترامًا لا فرضًا. يُربّى الأبناء على مبدأ البحث والتفكير، ويُتركون ليختاروا طريقهم الروحي بحرية، مما يزرع فيهم التسامح منذ الصغر.

الصلاة، الصوم، والطقوس الدينية تُمارس دون تصادم، بل أحيانًا بتضامن، إذ يصوم أحد أفراد الأسرة احترامًا للآخر، ويصلي آخر على نية السلام والوئام الأسري. لا تُقاس قوة الأسرة بتطابق ديانات أفرادها، بل بمدى قدرتهم على بناء جسر من المحبة فوق نهر الاختلاف.

إن التعايش الديني داخل الأسرة الواحدة ليس أمرًا مستحيلًا، بل هو فرصة لبناء وعي جمعي جديد يؤمن بالتنوع كقيمة، لا كتهديد. فحين تحكم العلاقة الأسرية مبادئ الحب، والاحترام، والحوار، يغدو الاختلاف الديني مصدر غنى لا صراع. النموذج الإفريقي الذي يجمع بين الإسلام والمسيحية في بيت واحد هو رسالة قوية للعالم بأن السلام يبدأ من داخل جدران البيت.

التنوع الديني داخل الأسرة: نموذج للتعايش السلمي في إفريقيا

Advertisement

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

6 أبريل 2025 - 20:47

بين السلاح الأبيض والخطر الداهم: قراءة في الجريمة ودور الأمن في التحصين المجتمعي

6 أبريل 2025 - 20:41

الساعة الإضافية في المغرب: بين منطق المصلحة وصرخة المواطن

6 أبريل 2025 - 20:35

آسفي.. توقيف شخصين يشتبه في تورطهما في حيازة السلاح الأبيض دون سند مشروع، والتهديد بارتكاب جنايات

5 أبريل 2025 - 16:13

الثقافة والحضارة: المفهوم والاختلاف – ودور المسرح والتلفزيون والسينما في تشكيل المجتمع