المصطفى شقرون
غالبًا ما تُستخدم كلمتا “الثقافة” و”الحضارة” كمترادفين، إلا أن بينهما فرقًا جوهريًا يعكس طبيعة الفكر البشري وتطوره عبر العصور. كما أن الوسائط التعبيرية مثل المسرح، والتلفزيون، والسينما تلعب أدوارًا كبرى في بناء الوعي الاجتماعي وتوجيه القيم والتصورات، لتصبح مرآة لثقافة المجتمعات ومحركًا لحضاراتها.
هل الثقافة والحضارة مفهومان متطابقان أم مختلفان؟ وما الدور الذي تلعبه الوسائط الفنية كالمسرح والتلفزيون والسينما في ترسيخ القيم الثقافية وتعزيز تطور الحضارة في المجتمعات؟
تُعرَّف الثقافة بأنها مجموع المعارف، والعادات، والقيم، والفنون، واللغات، والمعتقدات، والتقاليد التي تميز مجتمعًا معينًا. هي نَفَسُ الإنسان اليومي، ومرآة لتفكيره، وأسلوب حياته. الثقافة إذن تُعنى بالجانب المعنوي والروحي في حياة الإنسان، وتُصاغ من خلال التفاعل الاجتماعي والتاريخي والفكري.
أما الحضارة، فهي المستوى المادي والتقني الذي يصله مجتمع ما، وتشمل التقدم في مجالات العمران، الصناعة، التكنولوجيا، والعلوم، إضافة إلى المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الحضارة تعكس قدرة الإنسان على السيطرة على بيئته وتحويلها بما يخدم مصالحه.
إذن، الثقافة تُنتج الحضارة، وهي أساسها، بينما الحضارة تُجسد الثقافة في صورة مادية ومعمارية وتقنية. فكل حضارة تحمل ثقافة، لكن ليست كل ثقافة تصنع حضارة.
أما فيما يتعلق بدور المسرح والتلفزيون والسينما، فإنها أدوات رئيسية في نقل الثقافة وترسيخها، بل وفي نقدها وتطويرها.
المسرح، باعتباره أقدم الفنون التمثيلية، كان وما زال مساحةً للجدل والتنوير، ومكانًا لعرض قضايا المجتمع وهمومه، في قالب حي يتفاعل فيه الممثل مع الجمهور مباشرة.
التلفزيون، مع انتشاره الواسع، أصبح أداة قوية للتأثير اليومي على سلوك الناس، خاصة عبر البرامج الإخبارية، والمسلسلات، والإعلانات، مما جعله أحد أبرز الوسائل لتشكيل الرأي العام.
السينما، بفعل قدرتها على السرد البصري والجاذبية الفنية، تملك قدرة خارقة على غرس القيم أو تغييرها، وعلى جعل قضايا المجتمع موضوعًا عالميًا، خاصة مع العولمة والتوزيع الواسع.
كل هذه الوسائط يمكن أن تكون إما قوة بناءة تدعم التعليم والنقد والتنوير، أو أداة هدم وتضليل إذا غابت عنها الرؤية النقدية وحرية التعبير، أو سيطر عليها المال أو الرقابة العمياء.
الثقافة والحضارة مفهومان مختلفان ومتكاملان في الآن ذاته، يعكسان العمق الروحي والفكري للإنسان من جهة، وقدرته على البناء والتطوير من جهة أخرى. وفي زمن الصورة والتقنية، تلعب وسائل التعبير الجماهيري كالمسرح والتلفزيون والسينما دورًا حاسمًا في نقل الثقافة ودعم الحضارة، شرط أن تكون حرة، ناقدة، وملتزمة بقضايا الإنسان والمجتمع.
تعليقات
0