المصطفى شقرون( صحفي )
تُعد الشهادة الطبية وثيقة قانونية بالغة الأهمية في القضايا الجنائية، خاصة في جرائم العنف والضرب والجرح. وتكتسي الشهادة الطبية التي تفوق مدة العجز 21 يومًا أهمية خاصة في القانون الجنائي المغربي، إذ تعتبر مؤشرًا على جسامة الضرر، وتؤثر بشكل مباشر على تكييف الجريمة والعقوبة المترتبة عنها. وساحاول من خلال هذا الموضوع توضيح الإطار القانوني لهذه الشهادة، وتبيان أثرها على مسار المتابعة القضائية، مع التركيز على دور النيابة العامة في تكييف الأفعال الإجرامية واقتراح العقوبات المناسبة.
إلى أي حد تُؤثر الشهادة الطبية التي تفوق 21 يوما في تكييف الجريمة وتحديد العقوبة في القانون الجنائي المغربي؟ وما هو الدور الذي تلعبه النيابة العامة بناء على هذه الشهادة في توجيه الاتهام واتخاذ القرار القضائي المناسب؟
1. تعريف الشهادة الطبية:
الشهادة الطبية هي تقرير يُسلّمه الطبيب المختص يبيّن فيه طبيعة الإصابة ومدى خطورتها، ويحدد فيها عدد الأيام التي يحتاجها الضحية للشفاء، وتُعد هذه الشهادة وسيلة إثبات قانونية يعتمدها القضاء في تكييف الأفعال الإجرامية المرتكبة.
2. أهمية عتبة 21 يوما:
وفقًا للمادة 400 من القانون الجنائي المغربي:
“من ارتكب عمدا ضربا أو جرحا أو أي نوع آخر من العنف أو الإيذاء ضد شخص، ولم ينتج عنه مرض أو عجز عن العمل تتجاوز مدته عشرين يوما، يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من 200 إلى 500 درهم.”
“إذا نتج عن العنف مرض أو عجز تتجاوز مدته عشرين يوما، تكون العقوبة من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 200 إلى 1000 درهم.”
يتضح من هذه المادة أن الشهادة الطبية التي تفوق 21 يوما تُعتبر دليلًا على أن الفعل ليس مجرد عنف بسيط بل عنف مفضي إلى عجز مؤقت خطير، مما يؤدي إلى رفع العقوبة من مجرد جنحة بسيطة إلى جنحة مشددة، ويمكن أن ترتفع في بعض الحالات إلى جناية إذا نتج عن الفعل تشويه أو عاهة مستديمة (وفقًا للفصل 401 وما بعده).
3. دور النيابة العامة:
النيابة العامة، بصفتها ممثلة للحق العام، تعتمد على الشهادة الطبية لتحديد ما إذا كانت الأفعال المرتكبة تستوجب متابعة المعتدي من أجل عنف بسيط أو عنف مفضٍ إلى عجز خطير. وبناءً على الشهادة الطبية المرفقة، تقوم بما يلي:
تكييف الجريمة: جنحة أم جناية؟
تحديد فصول المتابعة (مثلاً الفصل 400 أو 401 من القانون الجنائي).
طلب توقيف المتهم إذا كانت الوقائع خطيرة وتستدعي ذلك.
التماس العقوبة المناسبة من المحكمة.
4. مثال واقعي – واقعة القائد المصفوع بتمارة:
في حال ثبوت تسلم القائد شهادة طبية تفوق 21 يوما، فإن النيابة العامة ستُكيّف القضية كجنحة مشددة، أو ربما جناية حسب ظروف الفعل (عدد الجناة، نية الإيذاء، مكان الضرب… إلخ). ويمكن متابعة المتهم وفق الفصل 401 أو أكثر إذا ثبت تعمد الإيذاء أو استعمال أدوات خطيرة.
5. اعتبارات القضاء:
القاضي لا يعتمد فقط على الشهادة الطبية، بل ينظر إلى الملابسات العامة للنازلة، بما في ذلك:
أقوال الشهود
الخبرة الطبية المضادة (عند الطعن في الشهادة)
تكرار الفعل أو سوابق المعتدي
العلاقة بين الجاني والضحية
و حتاما:
تشكل الشهادة الطبية التي تتجاوز 21 يوما عنصرًا حاسمًا في تحديد مسار المتابعة القضائية، إذ تلعب دورًا مركزيًا في تكييف الجريمة وتحديد العقوبة، وتُمكّن النيابة العامة من توجيه التهم بشكل قانوني دقيق. غير أن العدالة تقتضي فحص هذه الشهادات بموضوعية، منعًا لأي تعسف في التقدير، وضمانًا لحقوق جميع الأطراف. وفي النهاية، يبقى القضاء هو الجهة الحاسمة في إصدار الحكم استنادًا إلى ما يتوفر من أدلة وظروف القضية.
تعليقات
0