المصطفى شقرون
عرف المغرب منذ الاستقلال مسارًا سياسيًا متغيرًا، تأرجح بين الانفتاح والانغلاق، وبين التعددية والسلطوية. وكان للجامعة المغربية دور محوري في هذا السياق، ليس فقط باعتبارها فضاء للعلم والمعرفة، ولكن أيضًا كمجال للنقاش السياسي والفكري، ومنبر للمعارضة والتنظيم. فهل ما زالت الجامعة تلعب هذا الدور الحيوي في ظل التحولات السياسية الأخيرة؟
كيف ساهمت الجامعة المغربية في التحولات السياسية التي عرفها المغرب منذ الاستقلال؟ وهل ما تزال الجامعة اليوم محافظة على وظيفتها التنويرية والنقدية، أم أن التحولات السياسية والاجتماعية قد قلّصت من دورها؟
تاريخ الجامعة المغربية مرتبط إلى حد كبير بتاريخ الحركات السياسية والاجتماعية في البلاد. فمنذ سبعينيات القرن الماضي، كانت الجامعة مشتلاً للنضال السياسي، حيث نشأت داخلها تنظيمات طلابية يسارية وإسلامية وقومية، خاضت معارك فكرية ونضالية من أجل الحرية والديمقراطية.
في سنوات الجمر والرصاص، كانت الجامعة صوتًا مضادًا للسلطة، ودفعت ثمنًا غاليًا من خلال الاعتقالات والتضييق. ومع بداية الألفية الثالثة، ومع بروز ما سمي بـ”العهد الجديد”، بدأت ملامح التحول تظهر: تراجع الحضور السياسي في الجامعة لصالح الهاجس المهني، وتزايد نفوذ الإدارة، وتحول العمل الطلابي من النضال السياسي إلى المطالب الاجتماعية والخدماتية.
من جهة أخرى، أدّت التحولات السياسية الكبرى في البلاد، كحراك 20 فبراير ودستور 2011، إلى نوع من إعادة التفاعل بين الفضاء الجامعي والسياسي، لكن هذا التفاعل ظل محتشمًا وغير منظم. فالطالب اليوم يعيش واقعًا مركبًا: من جهة يسعى للنجاح والاندماج المهني، ومن جهة أخرى يشعر بالتهميش وغياب الأفق، ما يفرز أشكالًا جديدة من التعبير، ليس بالضرورة في القوالب التنظيمية الكلاسيكية.
الجامعة كذلك تعاني من أزمات بنيوية: الاكتظاظ، ضعف الميزانيات، تراجع البحث العلمي، وتنامي العنف الطلابي. وكل هذه العوامل تجعل من الجامعة فضاءً هشًا في مواجهة التحديات السياسية الكبرى.
تبقى الجامعة المغربية مرآة تعكس التحولات السياسية والاجتماعية التي يشهدها المغرب. وإن كان دورها قد تراجع في بعض المراحل، فإنها تظل فضاءً استراتيجيًا لإنتاج الوعي، وصناعة النخب، وتوجيه الرأي العام. ولتسترجع الجامعة دورها الطلائعي، لا بد من إصلاح جذري وشامل، يعيد للجامعة استقلاليتها، ويشجع على حرية التعبير، ويضمن ارتباط المعرفة بالفعل المجتمعي.
تعليقات
0