المصطفى شقرون صحفي مهني مدير نشر صحيفة الحكمة بريس و رئيس تحريرها
تحلّ علينا ذكرى المسيرة الخضراء كل عام لتُجدد في نفوس المغاربة الفخر والإيمان الراسخ بوحدة الوطن وسلامة أراضيه. هذه المسيرة التاريخية التي أطلقها المغفور له الملك الحسن الثاني في السادس من نوفمبر عام 1975، أصبحت رمزًا للسلام والوحدة. جسّدت المسيرة الخضراء لحظة قوية في تاريخ المغرب، حيث شارك فيها 350 ألف مغربي ومغربية قدموا من كل ربوع المملكة، حاملين المصاحف والأعلام الوطنية في مسيرة سلمية لاسترجاع الأقاليم الجنوبية من المستعمر الإسباني.
كانت فكرة المسيرة الخضراء وليدة حكمة وبعد نظر الملك الحسن الثاني، الذي أراد أن يكون تحرير الصحراء المغربية خطوة سلمية بدلاً من اللجوء إلى السلاح. وقد عبّر عن ذلك في خطابه الشهير بقوله: “لقد قررنا أن نسير من شمال المغرب إلى جنوبه، لنؤكد للعالم بأسره أن الصحراء كانت وستظل دائمًا مغربية، ونريد استرجاعها بالسلام والمحبة”.
بالفعل، انطلقت المسيرة وسط تلاحم وطني، حيث تدفق المشاركون في قوافل منتظمة، مجسدين بذلك وحدتهم وقوتهم خلف القيادة الرشيدة. رفع المغاربة المصاحف والرايات الوطنية ورددوا الأناشيد، مؤكدين عزمهم الثابت على استرجاع حقهم المشروع. هذه الخطوة لقيت إشادة دولية واسعة، إذ أظهرت للعالم أن التحرير لا يأتي بالضرورة عبر القوة، بل يمكن أن يُحقَّق بالسلام والوحدة. وقد قال الملك الحسن الثاني في خطاب آخر: “ما دمنا شعبًا متلاحمًا ومتعاونًا، سننتصر في قضايا الأمة، ولن نترك للأعداء سبيلاً لتحقيق مآربهم”.
كما مثّلت المسيرة الخضراء علامة فارقة في تاريخ المغرب الحديث، حيث رسخت مفهوم الوطنية والانتماء، وذكّرت الأجيال القادمة بأهمية الدفاع عن الوطن. وقد ألهمت العديد من الحركات التحررية في العالم، فكانت نموذجًا للتصدي للاستعمار بطرق سلمية. لم تقتصر المسيرة على تحرير الأرض فقط، بل كانت بداية لبرنامج تنموي شامل، استفادت منه الأقاليم الجنوبية من مشاريع اقتصادية واجتماعية، بهدف إدماج هذه المناطق في المسار التنموي للمملكة.
تُعد ذكرى المسيرة الخضراء مناسبة لاستحضار قيم الوطنية والتضحية، وهي كذلك تذكير للأجيال الجديدة بأهمية الوحدة في مواجهة التحديات. تبقى المسيرة الخضراء حدثًا خالدًا في وجدان المغاربة، ورمزًا للشجاعة والحكمة التي تجسدها القيادة المغربية. ومع إحياء ذكرى المسيرة، يتجدد العزم لمواصلة العمل من أجل النهوض بالأقاليم الجنوبية، تأكيدًا على مغربية الصحراء ووفاءً لإرث الحسن الثاني، رحمه الله.
تعليقات
0