المصطفى شقرون
كانت الشمس تتسلل بخجل من بين السحب المتناثرة في سماء الرباط، حين تجمّع الناس في محطة انطلاق الحافلات بدور الجامع. تعج المحطة بالحركة والضجيج، أصوات المحركات والدراجات تملأ المكان، بينما ينهمك الركاب في محادثات جانبية أو يحدقون في هواتفهم المحمولة منتظرين وصول حافلاتهم.
في زاوية المحطة، كان هناك مسن يبدو عليه التعب، يحمل حقيبة صغيرة بيدٍ ويرتكز على عصاه باليد الأخرى. كان ينتظر الحافلة رقم 38 المتجهة إلى تمسنا عبر تمارة. لم يكن يعلم أن هذا اليوم سيحمل له مفاجأة غير سارة.
بين الجموع، كان هناك شاب نحيل ذو نظرات حادة تتنقل بسرعة بين الركاب. لم يكن هنا ليلتقط حافلة، بل كان يبحث عن فرصة. فجأة، رأى الشاب المسن وهو يحاول بصعوبة صعود الحافلة. لمح هاتف المسن يلمع من جيبه، واتخذ قراره في لحظة.
اندفع الشاب بسرعة وسحب الهاتف بخفة من جيب المسن قبل أن يختفي بين الزحام. شعر المسن بيد غريبة تسحب هاتفه، لكنه لم يستطع رؤية السارق وسط الفوضى. حاول الصراخ طلبًا للمساعدة، لكن الحافلة بدأت بالتحرك، وكان يجب عليه أن يختار بين ملاحقة اللص أو ركوب الحافلة التي انتظرها طويلًا.
بينما كان الشاب يفر، شعر بشيء غريب في داخله. كان الهاتف في يده، لكنه لم يشعر بالرضا الذي توقعه. تسللت صورته إلى ذهنه، تلك الصورة التي رسمها عن نفسه كشخص ذكي يستطيع النجاة في عالم قاسٍ. لكن، لماذا شعر الآن بهذا الثقل في قلبه؟
جلس الشاب في زاوية مهجورة خلف المحطة، نظر إلى الهاتف الذي سرقه. بدأ يتخيل حياة المسن، ربما كان ذلك الهاتف هو وسيلته الوحيدة للتواصل مع أحبائه، ربما كان يحتوي على ذكريات ثمينة. بدأ الشاب يشعر بتأنيب الضمير، شيء لم يشعر به منذ زمن طويل.
تساءل الشاب: “هل هذا ما أريد حقًا؟ أن أكون لصًا يعيش على حساب الآخرين؟” تردد للحظة، ثم قام بفتح الهاتف، محاولًا العثور على معلومات حول صاحبه. وجد رقمًا مُسجلًا باسم “ابني” واتصل به.
رد صوت قلق على الجانب الآخر: “أبي؟ هل أنت بخير؟”
تلعثم الشاب قبل أن يجيب: “أنا… أنا لست والدك. أنا الشاب الذي سرق هاتف والدك. أريد إعادته.”
صمتت الخط الآخر للحظة، ثم رد الصوت بنبرة ممتنة: “شكرًا لك. أرجوك، أين يمكنني أن ألتقي بك لاستلام الهاتف؟”
اتفق الشاب مع الابن على مكان اللقاء، وعندما جاء وقت التسليم، شعر بشعور غريب بالراحة. أعاد الهاتف إلى الابن واعتذر بحرارة. كان يعلم أنه لا يمكنه محو ما فعله، لكن ربما كان هذا هو بداية طريق جديد له، طريق يعيد فيه النظر في حياته وقراراته.
ترك الشاب المحطة وهو يشعر بشيء من السلام الداخلي لأول مرة منذ سنوات. كان يعلم أن الطريق لن يكون سهلاً، لكن كان لديه الأمل في أن يتمكن من تصحيح أخطائه والبدء من جديد.
المصطفى شقرون
تعليقات
0