المصطفى شقرون(صحفي )
تعد السلطة المحلية جزءًا أساسيًا من بنية الدولة، إذ تمثل حلقة الوصل بين المواطن والإدارة، وتسهر على تطبيق القانون وضمان النظام العام. غير أن هذه المهمة لا تخلو من تحديات، خاصة حين يواجه رجل السلطة مواقف صعبة تستوجب ضبط النفس واتخاذ قرارات حكيمة. حادثة الاعتداء التي تعرض لها قائد بتمارة من قبل امرأة ثلاثينية أمام الملأ أثارت جدلًا واسعًا بين من رأى في تصرفه حكمة وذكاء، وبين من اعتبر موقفه ضعفًا وتخاذلًا.
كيف يمكن تقييم تصرف القائد في مواجهة الإهانة والاعتداء الجسدي؟ هل يعد تراجعه عن الرد ضعفًا، أم أن موقفه يعكس حكمة رجل سلطة يفهم مقتضيات القانون وأبعاد المسؤولية؟ وما هو الدور الذي يجب أن تلعبه النيابة العامة في هذه النازلة لضمان هيبة السلطة وحماية ممثليها؟
ذكاء القائد بين المهانة والحكمة
في مشهد غير معتاد، تعرض القائد للصفع المتكرر من طرف امرأة ثلاثينية، وسط ذهول الحاضرين الذين انقسموا بين متعاطف ومستغرب. ورغم الاستفزاز والضرب المتكرر، التزم القائد ضبط النفس ولم يرد بالمثل، مكتفيًا بتوثيق الحادث واتخاذ المساطر القانونية اللازمة.
هذا الموقف يطرح تساؤلات حول طبيعة العقلية التي يدير بها رجال السلطة مثل هذه المواقف. فبينما قد يراها البعض ضعفًا وتراخيًا في الدفاع عن النفس، فإن قراءة أعمق للحدث توضح أن القائد تفادى الوقوع في فخ الفعل ورد الفعل، وهو ما جنبه مشاكل قانونية قد تؤدي إلى تأويلات غير محمودة.
كما أن القائد، من خلال تصرفه هذا، رسّخ مفهوم “القوة الهادئة”، حيث لم ينجرّ إلى الاستفزاز، بل ترك الأمر للقانون ليأخذ مجراه، مما يعكس فهماً عميقًا لدور السلطة المحلية وأهمية الحفاظ على صورتها أمام الرأي العام. فمن غير المعقول أن تنخرط الدولة في دوامة الانتقام والعنف، بل المطلوب هو ترسيخ ثقافة احترام المؤسسات والدفاع عن هيبتها بالوسائل القانونية المشروعة.
لا شك أن الحادثة تسلط الضوء على ضرورة إعادة الاعتبار للسلطة المحلية وتعزيز مكانتها داخل المجتمع. فالقائد ليس مجرد موظف إداري، بل هو ممثل للدولة ومسؤول عن حفظ النظام العام، ولذلك فإن الاعتداء عليه هو اعتداء على المؤسسة برمتها، وليس مجرد إهانة شخصية.
من جهة أخرى، فإن ضبط النفس الذي أبداه القائد يعكس احترامه للمؤسسات وأجهزة الدولة، حيث لم يسمح بتحويل الواقعة إلى صراع شخصي، وإنما تعامل معها بمنطق رجل الدولة المسؤول، مما يرفع من مكانته ويعزز من صورة السلطة كمؤسسة تشتغل وفق القانون وليس وفق الأهواء والانفعالات.
دور النيابة العامة في النازلة
تلعب النيابة العامة دورًا أساسيًا في مثل هذه القضايا، حيث يجب عليها أن تتخذ إجراءات حازمة لضمان عدم تكرار مثل هذه الاعتداءات، ليس فقط حمايةً للأفراد، ولكن أيضًا لحماية هيبة الدولة وسيادة القانون. فالتسامح مع مثل هذه التصرفات قد يؤدي إلى تشجيع آخرين على تحدي السلطة والاستهانة بها.
لذلك، من الضروري أن يتم التعامل مع هذه النازلة بحزم، سواء من خلال متابعة المعتدية وفق النصوص القانونية المعمول بها، أو من خلال فتح نقاش أوسع حول دور رجال السلطة في المجتمع وضرورة توفير حماية قانونية أقوى لهم أثناء تأدية مهامهم.
ما بين الحكمة والغباء، يتحدد مصير كل رجل سلطة وفق طريقة تعامله مع التحديات اليومية. تصرف القائد في هذه الواقعة قد يبدو لبعض المراقبين تنازلًا عن الكرامة، لكنه في جوهره يعكس فهماً استراتيجياً لدور الدولة الحديثة، التي تفضل قوة القانون على قانون القوة. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني القبول بالإهانة أو التهاون في حفظ هيبة السلطة، بل يستدعي ضرورة تعزيز حماية رجال السلطة وتوفير الظروف القانونية والإدارية التي تضمن لهم أداء مهامهم دون خوف أو تردد.
تعليقات
0