المصطفى شقرون
يمثل الحوار وسيلة أساسية لتبادل الأفكار والآراء بين الأفراد والمجتمعات، حيث يسهم في بناء جسور التفاهم والتعاون. لكن مع الأسف، ينحرف الحوار أحيانًا عن هدفه النبيل، ليصبح ساحة صراع ومنازعة تغذيها الرغبة في الانتصار للرأي على حساب الحقيقة. لذا، ما أحوجنا إلى الحوار الذي ينبع من أخلاقيات احترام الآخر، ويقوم على أسس منطقية تحكمها العقلانية والتفاهم.
كيف يمكن للحوار أن يحقق غاياته المنشودة في ظل غياب الأسس الأخلاقية التي تضبطه؟ وما هي الأدوات والمنهجيات التي تضمن أن يكون الحوار وسيلة بنّاءة تعزز التفاهم، بدلاً من أن تكون معركة كلامية تفضي إلى الانقسام والتنازع؟
يتطلب الحوار الهادف نزاهة فكرية وشجاعة معنوية، حيث ينطلق من رغبة صادقة في فهم الآخر، وليس في فرض الرأي عليه. فالتحاور لا يفترض انتصار أحد الأطراف على الآخر بقدر ما يفترض تبادل الرأي بصورة تتسم بالود والاحترام. يتوقف نجاح الحوار على مراعاة مبادئ منطقية تضبطه وأخلاق نبيلة تضفي عليه صبغة سامية، حيث تُرَكَّز الأفكار وتُحترم الآراء وتُعامل بموضوعية.
الأساس في الحوار هو البحث عن الحقيقة، وهذا ما يتطلب مرونة في التفكير وعدم التعصب للرأي الشخصي، إضافة إلى التواضع في قبول الآخر حتى لو كان مخالفاً. الحوار البناء يحتاج إلى منطق عقلي، بحيث تكون الأفكار المطروحة قائمة على حجج وأدلة تدعمها، وتكون أيضًا قابلة للنقد من الطرف الآخر، مما يمنح الحوار توازنًا وقوة.
ومن الناحية الأخلاقية، فإن المحاور الحقيقي هو من يتحلى بالصبر ويجيد الإصغاء. في الحوار الهادف، لا ينشغل أحد الأطراف بالرد السريع بقدر ما ينشغل بفهم ما يقوله الطرف الآخر، فالتسامح واللطف والتقدير هي التي ترتقي بالحوار وتمنحه صبغةً إنسانيةً راقية. وبهذا، يتجاوز الحوار فكرة التنافس إلى التعاون على بلوغ الحقيقة، وتذليل الصعاب عبر التفاهم والاحترام.
إن الحوار الهادف لا يكون أداة للصراع بل وسيلة لتحقيق التفاهم والتقارب. نحن بحاجة إلى حوارات تتسم بالنزاهة وتحتكم للعقل والمنطق، ويعلو فيها صوت الأخلاق، حيث يصير الحوار مناسبة لتقاسم الحكمة والخبرة، بعيدًا عن الانتصار للأنا الشخصية.
المصطفى شقرون
تعليقات
0